الحرية من الخوف
بينما يتحطم اقتصاد العالم وينكسر وجبال من الخوف تنتشر في كل مكان ، نجد أن كلمات الرب يسوع تتحقق :
"وعلى الأرض كرب أمم بحيرة البحر والأمواج تضج والناس يغشى عليهم من خوف و انتظار ما يأتي علي المسكونة لأن قوات السماوات تتزعزع "
إن المسيح يحذرنا أنه بدون رجائنا فيه سنظل في خوفنا ونموت ونحن في هذا الخوف ولكن اتباع يسوع المؤمنون بمواعيده فسيحيون في حرية من الخوف. والحقيقة أن كل من يعيش تحت رعاية إلهنا يحيا كل حياته بدون خوف ولو ألقى الإنسان كل اتكاله على الرب لعلم أن الحرية الحقيقية هي أن تضع حياتك بالتمام بين يدي مخلصنا وراعينا الرب يسوع المسيح.
و لكي نخطو خطوة الإيمان هذه علينا أن نسلم أنفسنا بالتمام لعناية الرب وهذا يعني أن نضع أنفسنا بالكامل لديه ونسلم لحكمته و رحمته لنكون مقتادين لإرادته وحده فإننا إن فعلنا هذا فإله الكون وعد أن يتولى أمورنا من طعام و شراب و ملبس و مسكن و يحفظ قلوبنا من كل شر. و الرب يسوع نفسه أعطانا مثالا للتسليم الكامل على الصليب حين قال في لوقا 46:23 " يا أبتاه بين يديك أستودع روحي".
فالمسيح نفسه ترك لنا مثالا حينما أستودع نفسه بين يدي الله الأب ووضع نفسه بدلا عنا. وربما يقول البعض منا ألم يقل الرب يسوع : "لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضا" يوحنا18:10 فلماذا أسلم نفسه لله الأب و الإجابة علي ذلك واضحة وهي أنه فعل ذلك ليكون مثالا لنا لنتبع أثر خطواته.
إن الله في قوته وحكمته وحبه يريد أن يحفظ أولاده الأحباء
لو سألنا أحد أن نثق في شخص معين ونعطيه حياتنا فيجب أن تكون لنا الثقة في أن هذا الشخص عنده القوة الكافية ليحفظنا من كل خطر أو تهديد و لكي نثق في الله يجب أن نتأكد أولا أنه في محبته له الحكمة والقدرة الكافية لقيادتنا وإرشادنا كما يقود و يرشد كل أولاده خلال كل ظروف حياتهم وإن كنا نعرف من هو إلهنا لتأكدنا أن هذه هي طبيعته فهو كلي القدرة و حكمته ليس لها حدود وهو أيضا الصديق الألصق من الأخ وهو المحبة ذاتها و يقول الرسول بولس في (2تيموثاوس12:1)0
(لهذا السبب أحتمل هذه الأمور أيضا لكنني لست أخجل لأنني عالم بمن آمنت وموقن انه قادر ان يحفظ وديعتي إلى ذلك اليوم)
وبولس يقول : لقد وضعت حياتي بين يدي الله و أؤمن أنه لن يخزيني أو يتركني بل أؤمن أنه سيظل أمينا حافظا وعده لي و كلمته لي وهذه هي خبرتي في حياتي مع الرب. و اليوم عندما تأتي العواصف علينا فالاختيار واضح لدينا إما أن نسلم حياتنا بالتمام بين يدي الله و إلا سنكون مسؤولين عن حياتنا بمفردنا في هذه العواصف. و في الحقيقة فإن وضعنا حياتنا بين يدي الله ووثقنا فيه سنستمتع بالسلام و الهدوء الإلهي كما في( مزمور 4:37 ) "و تلذذ بالرب فيعطيك سؤل قلبك "
مهما تجمعت وتساقطت الكوارث عليك لا يمكن أن تنهي عليك أو تحطمك فما دمت مرتميا بين يدي الله و متكلا عليه فهو سيكون معك في كل أمور حياتك اليومية . و عندما تلقي كل رجائك عليه لن تقلق من جهة أي خطوات مستقبلية و لن تخيفك أي أخبار تسمعها من حولك و لن تفكر في مستقبلك الذي هو بين يدي الإله الذي يحبك إلي المنتهي. دعني أسألك الآن كم من مخاوف تحيط خرف صغير يتبع راعيه في مرعى ملئ بالأعشاب؟ لكنه لا يخاف إذ هو يتكل تماما على راعيه و بنفس الطريقة نحن رعية الله و خرافه التي أحبها و هو راعيها العظيم فلماذا نهتم أو نقلق أو ننزعج من جهة حياتنا أو مستقبلنا إنه في حبه يرعى و يحفظ رعيته.
نحن نري في الكتاب المقدس كثيرين ممن ساروا مع الله بكل جد و إخلاص. و الكثيرون من المؤمنين في هذه الأيام يسهل عليهم أن يقولوا "لتكن مشيئة الله " ولكن يصعب عليهم تسليم أم معين في حياتهم بين يدي الله . لقد تعلمت في حياتي الشخصية أن اتكل على الرب في كل مشكلة تقابلني على حده. فكيف أقول إني أسلم للرب كل شئ إن لم يتم حرفيا في حياتي أنني أتكل عليه في كل أمور حياتي اليومية.
وتسليمنا للرب لا يمكن أن يكون إجباري فهو يجب أن يكون بحريتي و بكامل إرادتي. والكتاب يعطينا أمثلة كثيرة لأناس لم يستطيعوا ذلك. فمثلا فرعون مصر حينما ضرب الله بلاده بضربات عظيمة استسلم بعد الضربة العاشرة وأطلق الشعب. ولكن هذا ليس هو التسليم الذي أحدثكم عنه. فإن الكثيرين ينتظرون حتى تبوء كل محاولاتهم و طرقهم و حيلهم بالفشل قبل أن يقول أحدهم "إني أسلم و أكف عن المحاولة وسأتكل علي الرب" ولكن التسليم الحقيقي الذي يشبع قلب الأب هو التسليم بمحبة. و قبل أن نيأس من المحاولة ونصل إلي نهاية المطاف يجب علينا أن نتصرف بموجب عهدنا مع الله كما فعل إبراهيم إذ سلم حياته بالتمام لله و كأنها شيك علي بياض ليملأه بنفسه
و الرب لا يقبل إلا أن نسلمه الكل وإن خبأنا جزءا لم نسلمه له نكون كحنانيا و سفيرة الذين تظاهروا بأنهم أعطوا الكل ولكنهم في الحقيقة أعطوا فقط جزء من الكل. وتسليمنا للرب يجب أن يكون بدون شروط و بدون مجادلة و يجب أن نسلمه كل شئ ليكون هو المتحكم الوحيد في كل شئ. وإن سلمنا أنفسنا بالتمام بين يدي الله تكون كل أفكارنا و رغباتنا لحكمته و أنا أعني أن نسلمه يوما بيوم أمورنا و أعمال يدينا فهو يري مشقات كل يوم فإن جسدنا يريد أن يتحكم في كل أمورنا و نظن نحن أننا قادرين بقوتنا و لكن عندما نسلم أنفسنا بالكامل لدي الله و نعطيه أن يقود هو سفينة حياتنا نكتشف كم نحن عاجزين عن قيادة أنفسنا.
إن طرح أحمالنا في اتكال كامل على الرب
إن التسليم الكامل للرب هو مهمة يستحيل إتمامها إلا بالإيمان ولكن حينما نسلم هذا التسليم الكامل له لن تستطيع أي صعوبات أن تقوى علينا فسنكون محمولين بإيماننا في راعينا الذي يحمل نفوسنا ويعبر بنا الصعوبات والمستحيلات التي تواجهنا. ولكن لابد لنا أن نعرف أننا عندما نتخذ قرار مثل هذا فإن أجهزة الإنذار تطلق في الجحيم و يبدأ الشيطان في مهاجمتنا في وحشية. تذكر أن بولس عندما كان يضطهد الكنيسة و يسلك في طريقة ضد إرادة الله لم يكن يقاومه أحد و لكن عندما وضع حياته بالكامل لدى الله بدأت المهاجمات والاضطهادات تأتي في طريقه
و بالمثل يا أحبائي عندما نضع أنفسنا في يدي الله يبدأ الشيطان في مقاومتنا بشدة و يغرق تفكيرنا و قلبنا بالشكوك و المخاوف وهو في هذا يهدف إلي تحويل انتباهنا إلى الظروف المحيطة بنا بدلا من أن نلتفت إلى وعود الله أنه سيحفظنا وسط كل الأزمات. فأن الشيطان يفعل أي شئ ليبعد أنظارنا عن يسوع ولكننا نعلم أن هذه التجارب تجري على جميع الذين يريدون أن يتبعوا المسيح
يحذرنا الكتاب المقدس أن الخوف سيهاجمنا عندما نري يد الله تزعزع الممالك وعندما تحيط بنا الأوقات الصعبة لأن إنساننا الطبيعي يمتلئ بالخوف يقول حزقيال النبي "فهل يثبت قلبك أو تقوى يداك في الأيام التي فيها أعاملك أنا الرب تكلمت و سأفعل" ( حزقيال 14:22).
عندما حذر الرب نوح و أمره أن يبني فلكا يقول الكتاب المقدس في عبرانيين7:11 أن نوح خاف. وحتى داود النبي الشجاع يقول " قد اقشعر لحمي من رعبك ومن أحكامك جزعت" (مز 120:119) و صرخ النبي حبقوق عندما رأى أن أوقاتا عصيبة سوف تأتي و قال "سمعت فارتعدت أحشائي من الصوت رجفت شفتاي" (حبقوق 16:3 )
لاحظ معي أثناء قراءة هذه الكلمات من الكتاب المقدس أن الخوف الذي حل على رجال الله في هذه المواقف لم يكن خوفا بشريا فقد خافوا قضاء الله العادل وهذا لأنهم فهموا القوة الرهيبة التي هي وراء الأوقات العصيبة القادمة. وبالمثل كل منا يجتاز بفترة من الخوف العظيم عندما نعلم أن أوقاتا عصيبة تقترب ولكن خوفنا يجب أن يأتي من فرط مهابتنا لله وليس من خوف جسدي نابع من انزعاجنا وقلقنا لأن الله لا يحب هذا النوع من الخوف الذي يقودنا لأن نخشى أن نفقد أشياء مادية وممتلكات أو مستوى معيشي معين فهذا منطق عديمي الإيمان و أبانا السماوي لا يقبل هذا المنطق من أولاده ويحذرنا إشعياء " أنا أنا هو معزيكم من أنت حتى تخافي من إنسان يموت ومن ابن الإنسان الذي يجعل كالعشب وتنسي الرب صانعك باسط السماوات و مؤسس الأرض( اشعياء 51 12و13) و في ( اشعياء 13:8 ) قدسوا رب الجنود فهو خوفكم و هو رهبتكم.
ربما يحيط بنا الخطر من كل جانب و نري إبليس و جنوده يقذفون بالشك في قلوبنا ولكن ملائكة الله و مركباته النارية تحيط بنا و تحمينا في وسط أي ضيقات تواجهنا. لذلك دعني أسألك أترغب في أن تواجه العواصف بثقة و إيمان و بال مرتاح؟ فلتكف اليوم عن كل طرقك البشرية ووسائلك لحماية نفسك و لتضع نفسك بثقة في عناية الله الراعي المحب الصالح الذي سيحفظك في كل الظروف.